الإسـتشـارة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
أنا فتاة ملتزمة ومن عائلة محافظة ولله الحمد وهذا العام سأنهي دراسة في الجامعة إن شاء الله.
ومشكلتي أني أحب شابا وهو كذلك أعتقد أنه يبادلني نفس الشعور ولكن هذا الشاب أحواله المادية سيئة قليلا، لذلك هو حاليا غير مستعد للتقدم إلى خطبتي، مع أني لا أهتم للمسائل المادية ولكنه لا يريد أن يخطبني إلا بعد أن يكون قد إستعد لهذا.
ولأننا نخاف الله ولا نريد أن نقع في الحرام لذلك قررنا أن لا نرى بعضنا مؤقتا ولا نتكلم سويا إلى أن تهيئ الظروف المناسبة أن نلتقي في الحلال.
ومضت الأيام ومن ثم الأشهر دون أن أراه او أن أكلمه، ولكن ماذا أفعل لقلبي المشتاق إليه وماذا أفعل للوعة قلب محب مشتاق يتأجج شوقا وحبا للمحبوب وهذا الحبيب بعيد لا يدري ما أصابني من هم وألم على هذا الفراق الذي أحسبه قد طال.
هل أتصل به مجددا وأنا التي وعدت نفسي ووعدت الله سبحانه أن لا أكلمه أو أراه إلا بالحلال، هل أغدر بوعدي؟ لا لن أفعل مخافة من غضب الله علي.
وآه من الإنتظار وطول ساعات الإنتظار وإلى متى اسأل نفسي هل سأبقى قادرة على هذا البعد.
إذا ما الحل أنا مشتاقة إليه ونار الشوق تحرقني؟ وحتى الدراسة لم أعد قادرة عليها ولم أعد أحتملها لأن فكري وعقلي مشغول به.
مع أنني أتضرع إلى الله سبحانه وأدعوه أن يخفف عني وأن يجمعني مع حبيبي بالحلال.
أرجو النصح لقلب عاشق محب أضناه بعد حبيبه عنه ولا يريد إغضاب الله منه.
رد المستشار: د. عبد العزيز بن عبد الله المقبل.
ابنتي الكريمة: أهنئك -بداية- على التزامك، وأسأل الله لك الثبات، والتزامك هذا يمثل الالتزام الحقيقي الذي يتجاوز المظهر إلى أن يحكم السلوك.. وكم أثّر فيّ قولك: ولأننا نخاف الله ولا نريد أن نقع في الحرام لذلك قررنا أن لا نرى بعضنا مؤقتا ولا نتكلم سويا إلى أن تتهيا الظروف المناسبة لأن نلتقي في الحلال! ولأن مثل هذا القرار صعبٌ، لا يستطيعه إلا من منحه الله إرادة قوية، نسج خيوطها إيمانه، وإمتلاء قلبه بالرقابة الإلهية.. إستحق من كان هذا دافعه من الله جنتين لا جنة واحدة: {ولمن خاف مقام ربه جنتان}.
ابنتي الكريمة: لم تذكري في رسالتك كيف أحببت هذا الشاب، وهل هو زميل دراسة، أم جار منزل؟! ولا متى وُضعتْ بذرة هذا الحبِّ، وكيف بدأت قصته؟!
لقد كتبت إليّ العديد من الفتيات يذكرن أنهن متعلقات بشباب، وأنه قد انعقد بينهن وبينهم خيط حبٍّ وثيق.. لكنني حين أتأمل جيداً ما كتبته هذه الفتاة أو تلك أفاجأ بأن الفتاة رأت في تعامل الشاب معها رقياً، وفي لغته معها رقة، فراحت تفسر ذلك تلقائياً على انه حبٌّ.. وحين إستقر هذا الشعور داخل نفسها راحت تفسّر كل حركة أو كلمة منه على أنه لون من القرب، وتعبير عن الحب، ومن جهة ثانية بدأ سماء ذهنها يمتلئ بالتفكير بالمستقبل مع هذا الحبيب، حين يجمعها به منزل مستقل، وتظل تساقيه كؤوس الغرام!!
والذي يدفع الفتاة إلى هذا طبيعتها كأنثى تحب المشاعر وتهفو إليها، ثم يقوي هذا الجانب كونها تعيش أحياناً في بيئة جافة من المشاعر الإيجابية نحوها، وربما زاد هذا -في غالب الحالات- كونها تعاني من مشكلات مع تلك البيئة، وهي الأسرة غالباً.
وغالباً ما تذكر لي الفتيات في عرض مشكلاتهن مع المحبين أنهم بدؤوا يتهربون، ويقدمون سلسلة من الإعتذارات، ويتذرعون بظروف يحاولون النفخ فيها وتضخيمها كونها معوقات عن الإرتباط.. وتحاول الفتاة الولهى -من جهتها- تخفيف العقبات في عيني الشاب، بل تقدم تنازلات كثيرة في سبيل دحض حجج الشاب!!.. ليتضح في الأخير أن الشاب يحاول الهرب، ويجدّ في التباعد منها في مقابل جدّ الفتاة في التقارب منه.. ومع الوضوح التام للغة الشاب في الهروب إلا أن الفتاة تبدو كما لو كانت لا تريد أن تفهمها، مهما كانت درجة وضوحها!!
وحين تكون اللغة من الوضوح بحيث لا يمكن تجاهلها تأتي تساؤلات الفتاة: كيف أُعيد الحبيب الهارب؟!.. وهي بهذا -من حيث لا تحتسب- تتهم نفسها، ويخالطها شعور تحس معه كأنما أخطأت بحق الحبيب الهارب! أخطاء سبّبت نفرته وملله وتركه لها، والأمر في حقيقته محاولة لا شعورية من الفتاة بسبب ظروف نفسية وأسرية إلباس ذلك الشاب رداء الحبيب، والنظر إليه من من ذلك المنظار!! ليكون طالباً ومطلوباً، بإعتبار أن الفتاة رأت فيه ما يعجبها من أي زاوية، فأرادت ألا يكون الحب من طرف واحد!!
والشباب أنفسهم يختلفون، فمنهم من يكون ذا خلق راقٍ، لا يريد أن يكسر قلب الفتاة، وهو يخشى أن يصدمها، فيوهمها بالحب، ولكنه يملأ الطريق بالعوائق، ويحاول التراجع للخلف، معتذراً بتلك العوائق!!
وهناك من الشباب من يستغل مشاعر الفتاة نحوه، ليعبث بمشاعرها، وربما بجسدها، ثم ينسحب، وقد يفتعل مشكلة معها ليسوّغ بها إنسحابه ذاك! لتظل الفتاة هي الضحية جسداً ومشاعر.
ابنتي الكريمة: إن كلامي السابق قد ينطلق من رسالتك، حيث توحي لغتك فيها بأن أمر الحب كله مجرد توقع، ولا أريد أن أقول: مجرد توهّم، سواءً فيما يتصل بأصل الحب لدى محبوبك، أو فيما يتصل بإعتذار بالظروف.. فأنت تقولين: هو كذلك أعتقد أنه يبادلني نفس الشعور، ولاحظي تعبيرك عن إعتذاره بالظروف المادية، في قولك: هو حاليا غير مستعد للتقدم إلى خطبتي، وتقولين: ولكنه لا يريد أن يخطبني إلا بعد أن يكون قد استعد لهذا!!
ما أعرفه ابنتي الكريمة أن هذا الحبيب يمكنه الخطبة وطلب الموافقة على الزواج، وتأجيل موضوع حفل الزواج والدخلة إلى أجل يغلب على ظنه تحسّن ظروفه فيه، وهو ما يحدث أحياناً في مثل هذه الظروف.. ولاحظي أن حبيبك لم يتقدم مجرد تقدم، فضلاً على أن يلحّ على أهلك بقبوله، كما يفعل من هو في مثل وضعه، لو كان يجد طعم الحب حقيقة!! لكنه لم يتقدم أصلاً، بل يجابهك بكونه: غير مستعد للتقدم، إلا ريثما تتحسن أحواله المادية، وهو تاريخ هلامي فضفاض.. وهو ما يدفعني للشك بقوة في صدق مشاعره نحوك، وإن خالجك ربما بعض الحنق عليّ بسبب رأيي هذا، وذلك ما يعزز إحساسي بأنك قد فرضت نفسك على ذلك المحبوب، بسبب ما رأيت منه من بعض المظاهر والسلوك نحوك، فلم يُردْ هو أن يحبطك، فسلك مسلك الإعتذار هذا، ثم ولّى لا يلوي على شيء!! في حين أن قرار إيقاف الحب كان حسب إتفاقكما مؤقتاً كما تقولين في رسالتك!!
ويبدو أنه بدأ ينتابك شيء من الشكوك نحو وعوده لك، يشفّ عن ذلك قولك: ومضت الأيام ومن ثم الأشهر دون أن أراه او أن أكلمه، ثم تتهمين هذا الحبيب لا شعورياً بتبلّد المشاعر، مشيرة إلى طول المسافة الزمنية، التي لم تلق منك سوى الضيق، فتقولين: هذا الحبيب بعيد لا يدري ما أصابني من همٍّ وألم على هذا الفراق الذي أحسبه قد طال!!
ابنتي الكريمة: أقدر مشاعر فتاة مثلك يخفق قلبها للحب، ولكني آمل ألا تستعجلي في فهمٍ مغلوط لكلامي، ثم تميلي عنه كل الميل.. فكون هذا الحبيب لم يبادلك المشاعر، أو كونه حاول الهروب لا يعني إطلاقاً أنك غير جديرة بالحب، أو أن مواصفاتك أقل مما يبحث عنه هذا الشاب.. ولكنه يعني بصورة مبسطة أن القلوب تهوى ليس بحسب المقاييس المادية، ولكن بميول خفية عجيبة، ولذا فقد يرتبط هذا الحبيب بمن هي أقل منك كثيراً سلوكاً وجمالاً، وقد ترتبطين أنت بمن هو أفضل منه كثيراً في السلوك والجمال، ولذا أتمنى أن تتأملي كلامي بينك وبين نفسك جيداً، فإن رأيت كلامي مقارباً للواقع، فحاولي إعادة رسم حياتك من جديد، بعد أن تمسحي من نفسك صورة هذا المحبوب، الذي دخل إليها عرضاً، وهو ما أشرتُ إلى أن سطور رسالتك تنضح به!
وإن خالفتني ورأيت واقع حبك حقيقة فمن المهم أن تحسمي وضعك بالإتصال على المحبوب إن كنت تعرفين عنوانه!!! لتكوني غاية في الصراحة معه.
وقد يضيق صدرك من الحقيقة، ولكن ضيق صدورنا من الحقيقة، مهما كانت مُرّة، خير لنا ألف مَرّة من أن نغطي عيوننا بعصابة الزيف!!.. فتحَمّلي هذا، واسألي ربك الإعانة، وأن يعوضك خيراً.
أسأل الله لك التوفيق في حاضرك، والسعادة والهناء في قابل أيامك.
المصدر: موقع المستشار.